فصل: (سورة مريم: الآيات 97- 98).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



. [سورة مريم: آية 96].

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (96)}.
قرأ جناح بن حبيش {وُدًّا} بالكسر: والمعنى: سيحدث لهم في القلوب مودّة ويزرعها لهم فيها من غير تودّد منهم ولا تعرّض للأسباب التي توجب الود ويكتسب بها الناس مودات القلوب، من قرابة أو صداقة أو اصطناع بمبرة أو غير ذلك، وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة، كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم. والسين إما لأن السورة مكية وكان المؤمنون حينئذ ممقوتين بين الكفرة فوعدهم اللّه تعالى ذلك إذا دجا الإسلام. وإما أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يعرض من حسناتهم وينشر من ديوان أعمالهم. وروى أنّ النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لعلى رضى اللّه عنه: «يا علىّ قل اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة» فأنزل اللّه هذه الآية. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: يعنى يحبهم اللّه ويحبهم إلى خلقه. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «يقول اللّه عز وجل يا جبريل قد أحببت فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء: إنّ اللّه قد أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يضع له المحبة في أهل الأرض»، وعن قتادة: ما أقبل العبد إلى اللّه إلا أقبل اللّه بقلوب العباد إليه.

. [سورة مريم: الآيات 97- 98].

{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}.
هذه خاتمة السورة ومقطعها، فكأنه قال: بلغ هذا المنزل أو بشر به وأنذر، فإنما أنزلناه بِلِسانِكَ أى بلغتك وهو اللسان العربي المبين، وسهلناه وفصلناه لِتُبَشِّرَ بِهِ وتنذر. واللدّ: الشداد الخصومة بالباطل، الآخذون في كل لديد، أى في كل شق من المراء والجدال لفرط لجاجهم، يريد أهل مكة.
وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنا} تخويف لهم وإنذار. وقرئ {تُحِسُّ} من حسه إذا شعر به. ومنه الحواس والمحسوسات. وقرأ حنظلة {تَسْمَعُ} مضارع أسمعت. والركز: الصوت الخفي. ومنه: ركز الرمح إذا غيب طرفه في الأرض. والركاز: المال المدفون.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «من قرأ سورة مريم أعطى عشر حسنات بعدد من كذب زكريا وصدق به، ويحيى ومريم وعيسى وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهرون وإسماعيل وإدريس، وعشر حسنات بعدد من دعا اللّه في الدنيا وبعدد من لم يدع اللّه». اهـ.

.قال النسفي:

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ}.
فجاء من بعد هؤلاء المفضلين {خَلْفٌ} أولاد سوء وبفتح اللام العقب الخير.
عن ابن عباس: هم اليهود {أَضاعُوا الصلاة} تركوا الصلاة المفروضة {واتبعوا الشهوات} ملاذ النفوس.
وعن عليّ رضي الله عنه: من بنى الشديد وركب المنظور ولبس المشهور.
وعن قتادة رضي الله عنه: هو في هذه الأمة {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} جزاء غي وكل شر عند العرب غي وكل خير رشاد.
وعن ابن عباس وابن مسعود: هو وادٍ في جهنم أعدّ للمصرين على الزنا وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور.
{إِلاَّ مَن تَابَ} رجع عن كفره {وَآمَنَ} بشرطه {وَعَمِلَ صالحا} بعد إيمانه {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة} بضم الياء وفتح الخاء: مكي وبصري وأبو بكر {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا} أي لا ينقصون شيئًا من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئًا من الظلم {جنات} بدل من {الجنة} لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب على المدح {عَدْنٍ} معرفة لأنها علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة لكونها مقام إقامة {التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ} أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم إليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص {بالغيب} أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها {إِنَّهُ} ضمير الشأن أو ضمير الرحمن {كَانَ وَعْدُهُ} أي موعوده وهو الجنة {مَأْتِيًّا} أي هم يأتونها {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} في الجنة {لَغْوًا} فحشًا أو كذبًا أو ما لا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه، وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها {إِلاَّ سلاما} أي لكن يسمعون سلامًا من الملائكة أو من بعضهم على بعض، أو لا يسمعون فيها إلا قولًا يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور.
وقيل: معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة، كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار، ثم لأنهم في النور أبدًا وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها. والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك. وقيل أراد دوام الرزق كما تقول (أنا عند فلان بكرة وعشيًا) تريد الدوام.
{تِلْكَ الجنة التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا} أي نجعلها ميراث أعمالهم يعني ثمرتها وعاقبتها. وقيل: يرثون المساكن التي كانت لأهل النار آمنوا لأن الكفر موت حكمًا {مَن كَانَ تَقِيًّا} عن الشرك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام قال: «يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» فنزل {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الإطلاق والأول أليق هنا يعني أن نزولنا في الأحايين وقتًا غب وقت ليس إلا بأمر الله {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} أي له ما قدامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الملك ومشيئته، وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون وما يحدث من الأحوال لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه {رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من {ربك} أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب السماوات والأرض.
ثم قال: لرسوله لما عرفت أنه متصف بهذه الصفات {فاعبده} فاثبت على عبادته {واصطبر لِعِبَادَتِهِ} أي اصبر على مكافأة الحسود، لعبادة المعبود، واصبر على المشاق، لأجل عبادة الخلاق، أي لتتمكن من الإتيان بها {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} شبيها ومثلًا، أو هل يسمى أحد باسم الله غيره لأنه مخصوص بالمعبود بالحق أي إذا صح أن لا معبود توجه إليه العباد العبادة إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته والاصطبار على مشاقها.
فتهافت أبيَّ بن خلف عظمًا وقال: أنبعث بعدما صرنا كذا؟ فنزل {وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} والعامل في {إذا} ما دل عليه الكلام وهو أبعث أي إذا مامت أبعث وانتصابه ب {أخرج} ممتنع لأن ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها فلا تقول (اليوم لزيد قائم) ولام الابتداء الداخلة على المضارع تعطي معنى الحال وتؤكد مضمون الجملة، فلما جامعت حرف الاستقبال خلصت للتوكيد واضمحل معنى الحال.
و ما في (إذا ما) للتوكيد أيضًا فكأنه قال: (أحقًّا إنا سنخرج من القبور أحياء حين يتمكن فينا الموت والهلاك) على وجه الاستنكار والاستبعاد.
وتقديم الظرف وإيلاؤه حرف الإنكار من قبل أن ما بعد الموت هو وقت كون الحياة منكرة، ومنه جاء إنكارهم {أَوْ لاَ يَذْكُرُ إلإنسان} خفيف شامي ونافع وعاصم من الذكر، والسائر بتشديد الذال والكاف وأصله يتذكر كقراءة أبيّ فأدغمت التاء في الذال أي أو لا يتدبر، والواو عطفت {لا يذكر} على {يقول} ووسطت همزة الإنكار بين المعطوف عليه وحرف العطف يعني أيقول ذلك ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى فإن تلك أدل على قدرة الخالق حيث أخرج الجواهر والأعراض من العدم إلى الوجود.
وأما الثانية فليس فيها إلا تأليف الأجزاء الموجودة وردها إلى ما كَانتَ عليه مجموعة بعد التفريق {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه {وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} هو ذليل على ما بينا وعلى أن المعدوم ليس بشيء خلافًا للمعتزلة {فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أي الكفار المنكرين للبعث {والشياطين} الواو للعطف وبمعنى (مع) أوقع أي يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة.
وفي إقسام الله باسمه ومضافًا إلى رسوله تفخيم لشأن رسوله {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} حال جمع جاث أي بارك على الركب ووزنه (فعول) لأن أصله (جثوو) كسجود وساجد أي يعتلون من المحشر إلى شاطىء جهنم عتلا على حالهم التي كانوا عليها في الموقف جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم.
{ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ} طائفة شاعت أي تبعت غاويًا من الغواة {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيًّا} جرأة أو فجورًا أي لنخرجن من كل طائفة من طوائف الغي أعتاهم فأعتاهم، فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب، نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم.
وقيل: المراد بأشدهم عتيًا الرؤساء لتضاعف جرمهم لكونهم ضلالًا ومضلين.
قال سيبويه: {أيهم} مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته وهو (هو) من (هو أشد) حتى لو جيء به لأعرب بالنصب، وقيل: أيهم هو أشد وهذا لأن الصلة توضح الموصول وتبينه كما أن المضاف إليه يوضح المضاف ويخصصه، فكما أن خذف المضاف إليه في (من قبلُ) يوجب بناء المضاف وجب أن يكون حذف الصلة أو شيء منها موجبًا للبناء وموضعها نصب ب (نزع)، وقال الخليل: هي معربة وهو مبتدأ وأشد خبره وهو رفع على الحكاية تقديره: لننزعن الذين يقال فيهم أيهم أشد على الرحمن عتيًا.
ويجوز أن يكون النزع واقعًا على {من كل شيعة} كقوله: {ووهبنا لهم من رحمتنا} أي لننزعن بعض كل شيعة فكأن قائلًا قال: من هم؟ فقيل: أيهم أشد عتيًا، و(على) يتعلق بأفعل أي عتوهم أشد على الرحمن {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا} أحق بالنار {صِلِيًّا} تمييز أو دخولًا والباء تتعلق ب {أولى} {وَإِن مّنكُمْ} أحد {إِلاَّ وَارِدُهَا} داخلها والمراد النار والورود: الدخول عند علي وابن عباس رضي الله عنهم وعليه جمهور أهل السنة لقوله تعالى: {فأوردهم النار} [هود: 98] ولقوله تعالى: {لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها} [الأنبياء: 99] ولقوله: {ثم تنجى الذين اتقوا} إذ النجاة إنما تكون بعد الدخول لقوله عليه السلام: «الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم وتقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي» وقيل: الورود بمعنى الدخول لكنه يختص بالكفار لقراءة ابن عباس {وإن منهم} وتحمل القراءة المشهورة على الإلتفات.
وعن عبد الله: الورود الحضور لقوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص: 23] وقوله: {أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] وأجيب عنه بأن المراد عن عذابها.
وعن الحسن وقتادة: الورود المرور على الصراط لأن الصراط ممدود عليها فيسلم أهل الجنة ويتقاذف أهل النار.
وعن مجاهد: ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لقوله عليه السلام: «الحمى حظ كل مؤمن من النار» وقال رجل من الصحابة لآخر: أيقنت بالورود؟ قال: نعم. قال: وأيقنت بالصدر؟ قال: لا. قال: ففيم الضحك وفيم التثاقل؟ {كَانَ على رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} أي كان ورودهم واجبًا كائنًا محتومًا والحتم مصدر حتم الأمر إذا أوجبه فسمى به الموجب كقولهم (ضرب الأمير).
{ثُمَّ نُنَجّى} وعلي بالتخفيف {الذين اتقوا} عن الشرك وهم المؤمنون {وَّنَذَرُ الظالمين فِيهَا جِثِيًّا} فيه دليل على دخول الكل لأنه قال: {ونذر} ولم يقل وندخل، والمذهب أن صاحب الكبيرة قد يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو لا محالة.
وقالت: المرجئة الخبيثة: لا يعاقب لأن المعصية لا تضر مع الإسلام عندهم.
وقالت المعتزلة: يخلد.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي القرآن {بينات} ظاهرات الإعجاز أو حججًا وبراهين حال مؤكدة كقوله: {وهو الحق مصدقًا} [البقرة: 91] إذ آيات الله لا تكون إلا واضحة وحججًا {قَالَ الذين كَفَرُواْ} أي مشركو قريش وقد رجلوا شعورهم وتكلفوا في زيهم {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} للفقراء ورؤوسهم شعثة وثيابهم خشنة {أَىُّ الفريقين} نحن أم أنتم {خَيْرٌ مَّقَامًا} بالفتح وهو موضع القيام والمراد المكان والمسكن.
وبالضم مكي وهو موضع الإقامة والمنزل {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} مجلسا يجتمع القوم فيه للمشاورة.
ومعنى الآية أن الله تعالى يقول: إذا أنزلنا آية فيها دلائل وبراهين أعرضوا عن التدبر فيها إلى الافتخار بالثروة والمال وحسن المنزل والحال فقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ} ف {كم} مفعول {أهلكنا} و{من} تبيين لإبهامها أي كثيرًا من القرون أهلكنا وكل أهل عصر قرن لمن بعدهم {هُمْ أَحْسَنُ} في محل النصب صفة ل {كم} ألا ترى أنك لو تركت {هم} كان أحسن نصبًا على الوصفية {أَثَاثًا} هو متاع البيت أو ماجد من الفرش {وَرِئيًا} منظرًا وهيئة فعل بمعنى مفعول من رأيت و{ريًا} بغير همز مشددًا: نافع وابن عامر على قلب الهمزة ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ثم الإدغام، أو من الري الذي هو النعمة {قُلْ مَن كَانَ في الضلالة} الكفر {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} جواب {من} لأنها شرطية وهذا الأمر بمعنى الخبر أي من كفر مد له الرحمن يعني أمهله وأملى له في العمر ليزداد طغيانًا وضلالًا كقوله تعالى: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} [آل عمران: 178] وإنما أخرج على لفظ الأمر إيذانًا بوجوب ذلك وأنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضلال.
{حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} هي متصلة بقوله: {خير مقامًا وأحسن نديًا} وما بينهما اعتراض أي لا يزالون يقولون هذا القول إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين {إِمَّا العذاب} في الدنيا وهو تعذيب المسلمين إياهم بالقتل والأسر {وَإِمَّا الساعة} أي القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فهما بدلان مما يوعدون {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا} منزلًا {وَأَضْعَفُ جُندًا} أعوانًا وأنصارًا أي فحينئذٍ يعلمون أن الأمر على عكس ما قدروه وأنهم شر مكانًا وأضعف جندًا لا خير مقامًا وأحسن نديًا، وأن المؤمنين على خلاف صفتهم.
وجاز أن تتصل بما يليها، والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم لا ينفكون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين أو يشاهدوا الساعة.
و{حتى} هي التي يحكي بعدها الجمل ألا ترى أن الجملة الشرطية واقعة بعدها وهي قوله: {إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون} {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} معطوف على موضع {فليمدد} لوقوعه موضع الخبر تقديره: من كان في الضلالة مد أو يمد له الرحمن ويزيد أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه، ويزيد المهتدين أي المؤمنين هدى ثباتًا على الاهتداء أو يقينا وبصيرة بتوفيقه {والباقيات الصالحات} أعمال الآخرة كلها أو الصلوات الخمس أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر {خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا} مما يفتحر به الكافر {وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} أي مرجعًا وعاقبة تهكم بالكفار لأنهم قالوا للمؤمنين {أي الفرقين خير مقامًا وأحسن نديًا}.